Category Archives: فتاوى

*صيام الأيام البيض*

فتوى ابن باز

 

 لسماحة الشيخ ابن باز  رحمه الـله

السائلة: هل صحيح يجوز قضاء الأيام البيض بحيث يبدأ الإنسان بصيامها ثم يحبسه حابس ويقطعه عن صيامها؟

الشيخ: المشروع للمؤمن والمؤمنة صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإذا صامها أيام البيض فهو أفضل، وإن صامها في بقية الشهر كله طيب، النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وبيَّن أن أيام البيض أفضل من غيرها، فإذا كانت المرأة أو الرجل يصومون أيام البيض ثم شغلوا عنها يصومون من بقية الشهر، والحمد لله، لا يسمى قضاء، يسمى صيام الثلاث، لأن الشهر كله محل صيام من أوله إلى آخره، فإذا صام المؤمن أو المؤمنة من أوله أو من وسطه أو من آخره ثلاثة حصل المقصود، وحصلت السنية، وإن لم يصمها في أيام البيض.

المقدم: تقصد -وهذا ما أعتقده- أنه إذا فاتت الأيام البيض هل تقضيها إذا فات صيامها؟

الشيخ: ما يسمى قضاء، تصوم ثلاثة أيام من كل شهر، المشروع لها أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر، سواء وافقت أيام البيض، أم لم توافق أيام البيض.

أَحْكَام تَخُص الشتَآء

 

   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته وصحبه أجمعين.. أما بعد:

فهذا عرض مختصر لأحكام الشتاء نستعرض فيه أهم الأمور التي تطرأ في فصل الشتاء ويحتاج المسلم لمعرفة أحكامها من المسح على الجوارب والجمع بين الصلوات وغيرها من الأمور المهمة، وكذلك الأمور التي يستحب للمسلم اغتنامها في هذا الفصل.

أقوال السلف:

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهدهم و كتب لهم بالوصية: ان الشتاء قد حضر و هو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف و الخفاف و الجوارب، و اتخذوا الصوف شعارًا ( وهي ما يلي البدن ) و دثارًا ( الملابس الخارجية ) فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه.

ومن كلام يحيى بن معاذ: الليل طويل فلا تقصره بمنامك والإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك.

و عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: مرحبًا بالشتاء، تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام و يقصر فيه النهار للصيام.

ومن درر كلام الحسن البصري قال: نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه.

وعن عبيد بن عمير رحمه الله أنه كان إذا جاء الشتاء قال: يا أهل القرآن! طال ليلكم طويل لقراءتكم فاقرؤوا ، وقصر النهار لصيامكم فصوموا.

الغنيمة الباردة:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ) رواه أحمد وحسنه الألباني.

قال الخطابي: الغنيمة الباردة أي السهله ولأن حرة العطش لاتنال الصائم فيه.

قال ابن رجب: معنى أنها غنيمة باردة أنها حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقة، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوا صفوا بغير كلفة.

فحري بك اقتناص هذه الغنيمة لا سيما في الأيام الفاضلة مثل الاثنين والخميس أو الأيام البيض ونحو ذلك.

الاستسقاء:

هو طلب السقيا من الله تعالى عند حصول الجدب بالثناء عليه والفزع إليه بالاستغفار والصلاة، وسبب الجدب والقحط وارتكاب المخالفات كما أن الطاعة سبب البركات، قال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف 96 .

وكثرة التوبة والاستغفار سبب لنزول الأمطار قال تعالى: ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ) نوح 10-13، ومن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم أسقنا غيثُا مغيثًا، مريئًا مربعًا نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل ) رواه الحاكم وصححه الألباني، قال الشافعي: يستسقي الإمام بغير صلاة مثل أن يستسقي لصلاة، وقال شيخ الإسلام: ويجوزون الاستسقاء بالدعاء تبعًا للصلوات الراتبة كخطبة الجمعة ونحوها كفعله صلى الله عليه وسلم.

الاستسقاء بالنجوم:

قال صلى الله عليه وسلم: ( أربعة في أمتي من أمر الجاهلية لايتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، و الاستسقاء بالنجوم والنياحة ) رواه مسلم، الاستسقاء: نسبة للسقيا ومجيء المطر إلى الأنواء وهي منازل القمر.

وعن زيد بن خالد رضي الله عنه قال ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت ( أي مطر ) من الليل ، فلما انصرف أقبل الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم؟ قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب ) متفق عليه.

خلاصة الكلام في حكم الاستسقاء بالنجوم:

1- كفر أكبر مخرج من الملة : وهو إن كان يعتقد أنها سبب تام وأنها المدبرة بذاتها أو جزم بعلم الغيب عند النظر إلى النجوم .

2- محرم : ما لم يكن له علاقة ضرورية كأن يتوهم المتوهم أنه فيه تقدمه للمعرفة بالحوادث وإن ذلك ينفع كأهل التنجيم فالكذب غالب عليهم .

3- مباح: وهو ما كان له علاقة ضرورية بنزول المطر عن طريق الحساب وغير ذلك ما قد علم بالحس، انظر الفتاوى شيخ الاسلام 25/168-177 مفتاح السعادة 2/210 لابن القيم.

غنيمة العابدين وربيع المؤمنين:

عن عمر رضي الله عنه قال: الشتاء غنيمة العابدين، رواه أبو نعيم باسناد صحيح.

قال ابن رجب: انما كان الشتاء ربيع المؤمن؛ لأنه يرتع فيه بساتين الطاعات ويسرح في ميادين العبادات وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه.

و عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: مرحبًا بالشتاء، تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهار للصيام.

نفس الشتاء:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اشتكت النار إلى ربها فقالت : يارب أكل بعضي بعضًا فأذن لي بنفسين ، نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فهو أشد ما تجدون من الحر ، وأشد ما تجدون من الزمهرير ) متفق عليه، الزمهرير: شدة البرد.

قال ابن رجب: فإن شدة برد الدنيا يذكر بزمهرير جهنم.

وهذا مايوجب الخوف والاستعاذة منها، فأهل الإيمان كل ما هنا من نعيم وجحيم يذكرهم بما هناك من النعيم والجحيم حتى وإن شعر القوم بالبرد القارس فيدفعهم هذا إلى تذكر زمهرير جهنم، ويوجب لهم الاستعاذة منها، ويذكرهم بالجنة التي يصف الله عزوجل أهلها فيقول عزوجل: ( مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً ) الانسان13، قال ابن رجب: فنفى عنهم شدة الحر والبرد.

قال قتادة: علم الله أن شدة الحر تؤذي وشدة البرد تؤذي فوقاهم أذاهما جميعا، فيدفعهم هذا إلى النصب وإلى التهجد فكل ما في الدنيا يذكرهم بالآخرة.

إسباغ الوضوء على المكاره:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذالكم الرباط ) رواه مسلم.

قال القاضي عياض: وإسباغ الوضوء تمامه، والمكاره تكون بشدة البرد وألم الجسم ونحوه.

قال ابن رجب: فإن شدة البرد لدينا يذكر بزمهرير جهنم ، فملاحظة هذا الألم الموعود يهون الإحساس بألم برد الماء

مسألة: قال الشيخ ابن عثيمين عن بعض المصلين: لا يفسرون – أي يرفعون – أكمامهم عند غسل اليدين فسرًا كاملاً، وهذا يؤدي إلى أن يتركون شيئًا من الذراع بلا غسل وهو محرم، والوضوء معه غير صحيح، فالواجب أن يفسره كمه إلى ما وراء المرفق مع اليد لأنه من فروض الوضوء.

مسألة: لا بأس بتسخين الماء للوضوء، قال ابن المنذر: الماء المسخن داخل في جملة المياه التي أمر الناس أن يتطهروا بها، الأوسط 1/250.

وقال الأبي في إكمال المعلم 2/54: تسخين الماء لدفع برده ليقوي على العبادة لا يمنع من حصول الثواب المذكور، فلا إفراط ولا تفريط والشرع لم يتعبدنا بالمشاق.

التبكير بصلاة الظهر عند شدة البرد:

عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد يكبر بالصلاة ، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة، رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

قال المناوي عن التبكير: أي بصلاة الظهر يعني صلاها في أول وقتها وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه.

قال ابن قدامة في المغني: ولا نعلم في استحباب تعجيل الظهر من غير الحر والغيم خلافاً.

قال الترمذي: وهو الذي اختاره أهل العلم من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم: لأن المقصود من الصلاة الخشوع والحضور وشدة البرد والحر مما يشغل المصلي.

تغطية الفم في الصلاة ومنه المتلثم:

فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه. رواه أبو داود وغيره، قال الشيخ ابن باز رحمه الله: يُكره التلثم في الصلاة إلا من علة.

لبس القفازين:

يجوز لبس القفازين و هو أحد أقوال الشافعي وبه قال النووي، وأما استدل بالمنع لحديث مسلم: ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ) فيستدل به على كشف اليدين، والرد عليه أن الركبة كذلك مغطاة بلا ريب فلا حجة في ذلك، قال ابن جبرين: يجوز للرجال والنساء لبس القفازين في الصلاة فإنه يحتاج إيه لبرد ونحوه.

الجزاء من جنس العمل:

قد صح عن ابن عمر مرفوعا: ( .. ولم يمنعوا – أي العبادة – زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ) رواه ابن ماجة وغيره وحسنه الألباني، وعن بريدة مرفوعاً: ( .. ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر ) رواه الحاكم وصححه الألباني، وعن مجاهد قوله في تفسير آية ( وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )البقرة 159، قال: دواب الأرض تقول إنما منعنا المطر بذنوبكم.

الصلاة على الراحلة أو السيارة خشية الضرر:

قال شيخ الاسلام: وتصح صلاة الفرض على الراحلة خشية الانقطاع عن الرفقة أو حصول ضرر بالمشي.

وقال ابن قدامة في المغني: وإن تضرر بالسجود وخاف من تلوث يديه وثيابه وبالطين والبلل، فله الصلاة على دابته، ويومئ بالسجود.

وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد واسحاق.

ما يقال عند هبوب الريح:

عن عائشة رضي الله عنها قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: اللهم أني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ) رواه مسلم.

النهي عن سب الريح:

لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب ، فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها ) رواه أبوداود وغيره. والنهي عن السب؛ لأنها مسخرة مذللة فيما خلقت له ومأمورة بما تجيء به من رحمة وعذاب.

ما يقال عند سماع الرعد:

كان عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: ( سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ثم يقول: إن هذا لوعيد لأهل الأرض لشديد ) رواه البخاري في الأدب المفرد وسنده صحيح موقوفًا كما قال النووي.

ما يقال عند رؤية السحاب ونزول المطر:

عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئًا في أفق السماء ترك العمل وإن كان في صلاة ثم يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من شرها ) فإن مطر قال: ( اللهم صيبًا هنيئًا ) رواه أبودواد بسند قوي ، وعند البخاري ( اللهم صيبًا نافعًا ) وعند البخاري ومسلم ( مطرنا بفضل الله ورحمته ).

الناشئ: السحاب الذي لم يتكامل اجتماعه، الصيب: هو المطر الذي يجيء ماؤه.

الدعاء لا يرد وقت نزول المطر:

قال صلى الله عليه وسلم : ( ثنتان ما تردان : الدعاء عند النداء وتحت المطر ) رواه الحاكم وحسنه الألباني ، قال المناوي: أي لا يرد أو قلما يرد فإنه وقت نزول الرحمة.

من فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول المطر:

عن أنس رضي الله عنه قال: أصابنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فحسر – أي كشف – رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه المطر فقلنا يا رسول الله : لم صنعت هذا ؟ قال : ( لأنه حديث عهد بربه ) رواه مسلم.

ما يقال خشية التضرر عند زيادة المطر:

قال صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الحال: ( اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم الآكام والضراب وبطون الأدوية ومنابت الشجر ) رواه البخاري.

الآكام: التلول المرتفعة من الأرض، الضراب: الروابي والجبال الصغار.

نزع البركة من المطر:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليست السنة بأن تمطروا ، ولكن السنة أن تمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا ) رواه مسلم، قال النووي: المراد بالسنة هنا القحط .

الغريق:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الشهداء خمسة .. فذكر منهم الغريق ) رواه البخاري، أي الغريق وهو الذي يموت غريقًا في الماء شرح النووي.

ويستفاد من هذا الحديث في موضوعنا أن من غرق بنتيجة الفيضانات والسيول الجارفة في الشتاء أو غيره وكان على دين وصلاح وحسن حال يرجى له الشهادة كما هو نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إطفاء النار والمدفئة قبل النوم:

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: احترق بين في المدينة على أهله، فحدث بشأنهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( إن هذه النار إنما عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم ) وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون ) رواهما البخاري ومسلم.

وقال الحافظ بن حجر: وحكمة النهي هي خشية الاحتراق، ثم قال: قيده بالنومك لحصول الغفلة به غالبًا، ويستنبط منه أنه متى وجدت الغفلة حصل النهي.

فيستفاد منه الحذر الشديد من ابقاء المدافئء مشتعلة حالة النوم والحوادث لاتخفى في ذلك فتبنه.

النهي عن سب الحمى:

عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب فقال: ( مالك يا أم السائب تزفزقين؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها. فقال: لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب خبث الحديد ) رواه مسلم.

تزقزقين: أي تتحركين حركة سريعة ومعناه ترتعد، ففي الحديث النهي عن سب الحمى و كراهة التبرم و أن الحمى تكفر الخطايا و المناسبة مع الموضوع واضحة و ذلك أن في الشتاء تكثر الحمى.

فائدة: قال ابن القيم رحمه الله عن الحمى: و أما تصفيتها القلب من وسخه ودونه وإخراجها خبائثه فأمر أطباء القلوب ويجدونه كما أخبرهم به نبيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن مرض القلب إذا صار ميوسًا من برئه، لم ينفع فيه هذا العلاج، فالحمى تنفع البدن والقلب وما كان بهذه المثابة فسبه ظلم وعدوان. أهـ

وهذا لا ينافي أن العبد يبذل السبب في علاجها و لأن لكل داء دواء إلا الموت كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم.

المسح على الجوارب والخفين والعمائم:

الخف: هو ما يلبس على الرجل مما يصنع من الجلد.

و الجورب: ما يلبس عليها مما يضع من القطن ونحوه وهذا المعروف بـ ( الشراب أو الدلاغ ).

ثبت في السنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسح على الخفين.

شروط المسح:

1- ادخالهما بعد تمام طهارة الوضوء.

2- أن يكون طاهرين من النجاسة.

3- أن يكون المسح عليهما في الحدث الأصغر لا الأكبر كالجنابة أو ما يوجب الغسل.

4- أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعًا وهو يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.

توقيت المسح:

1- يبدأ المسح من أول مسحه بعد الحدث لحديث علي : ( وقت لنا رسول الله في المسح للمقيم يومًا وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها ) رواه مسلم.

2- اذا انتهت المدة وهو على طهارة مسحه لم ينتقض وضوءه.

صفة المسح:

أن يمسح الخف أو الجورب من أعلاه من أطراف الأصابع إلى ساقه لقول علي ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهر خفيه ) رواه أبو داود.

المسح على العمائم المحنكة في الحدث الأصغر:

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على العمائم رواه الترمذي.

و العمائم: هي عمائم المسلمين المحنكة – أي المدارة تحت الحنك أو ذات ذؤابه أي التي لها طرف مرخي – أما العمائم فلا يصح المسح عليها، و يدخل في العمائم ما يلبس في أسام الشتاء من القبع الشاملة للرأس و الأذنين، و في أسفله لفه على الرقبة فإنه مثل العمامة لمشقة نزعه ومثله خمار المرأة المدار تحت حلقه، وأما الغترة أو الشماغ أو الطاقية أو الطربوش فلا يسمح عليه لأنه لا يشق نزعه.

الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة:

يعذر بترك الجمعة والجماعة في الشتاء من حصل له من الأذى بمطر يبل الثياب و معه المشقة أو وصل الطين أو ثلج أو بريح باردة شديدة لقول ابن عمر رضي الله عنه: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة الباردة أو المطر : صلوا في رحالكم ) رواه ابن ماجة.

الجمع بين الصلاتين:

يباح الجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، المغرب والعشاء في وقت أحدهما تقديمًا أو تأخيرًا للأعذار السابقة المسقطة للجمعة والجماعة ولو صلى الرجل في بيته إذا كان من أهل الجماعة، وأما المرأة والرجل المريض لا يصح جمعهم في بيوتهم.

والجمع رخصة عارضة للحاجة إليه لدفع المشقة عن المسلمين، ولذلك لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم إلى مرات قليلة ، والحاجة والمشقة تختلف في تقديرها باختلاف الزمان والمكان والأشخاص ، لذلك قال ابن عباس: ( جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر .. أراد ألا يحرج أمته ) رواه مسلم.

المصدر :

سلسلة العلامتين عبد العزيز بن عبد الله بن باز

                         محمد بن صالح العثيمين

حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وبعد
فإن التهنئة تكون على أحوال:
* إمَّا أن تكون بما يُسَرُّ به المسلم مما يطرأ عليه من الأمور المباحة بكل ما فيه تجدد نعمة أو دفع مصيبة، كالتهنئة بالنكاح، والتهنئة بالمولود الجديد، والتهنئة بالنجاح في عمل أو دراسة ، أوما شابه ذلك من المناسبات التي لا ارتباط لها بزمان معين، فهذا من الأمور العادية التي لا حرج فيها ، ولعل صاحبها يؤجر عليها لإدخاله السرور على أخيه المسلم فالمباح -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((بالنية الحسنة يكون خيراً، وبالنية السيئة يكون شراً)) فهو بين الإباحة والاستحباب.
* وإمَّا أن تكون التهنئة في أزمان معينة كالأعياد والأعوام والأشهر والأيام، وهذا يحتاج إلى بيان وتفصيل ، وتفصيله كما يلي :
– أمَّا الأعياد -عيد الأضحى وعيد الفطر- فهذا واضح لا إشكال فيه وهو ثابت عن جمع من الصحابة.
– وأمَّا الأعوام فكالتهنئة بالعام الهجري الجديد أو ما يسمى رأس السنة الهجرية.
– وأمَّا الأشهر فكالتهنئة بشهر رمضان، وهذا له أصل والخلاف فيه مشهور.
– وأمَّا الأيام فكالتهنئة بيوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم أو بيوم الإسراء والمعراج وما شابه ذلك


والحكم فيه معروف وهو من البدع لارتباطه بمناسبات دينية مبتدعة.
وكل هذه التهاني ماعدا الأول منها لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة الكرام ولا عن أحدٍ من السلف مع أن موجبها انعقد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم و الصحابة رضي الله عنهم ولم يوجد المانع ومع ذلك لم يُنقل عن أحدٍ منهم أنه فعل ذلك بل قصروا التهنئة على العيدين فقط.
وقد اختلف العلماء في حكم التهنئة بأول العام الجديد على قولين:
الأول: الإباحة وأنها من العادات، ومن هؤلاء الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله حيث قال: (( أرى أن بداية التهنئة في قدوم العام الجديد لا بأس بها ولكنها ليست مشروعة بمعنى: أننا لا نقول للناس: إنه يسن لكم أن يهنئ بعضكم بعضاً، لكن لو فعلوه فلا بأس، وإنما ينبغي له أيضاً إذا هنأه في العام الجديد أن يسأل الله له أن يكون عام خيرٍ وبركة فالإنسان يرد التهنئة. هذا الذي نراه في هذه المسألة، وهي من الأمور العادية وليست من الأمور التعبدية)) (لقاء الباب المفتوح).
وله رحمه الله كلامٌ آخر ضبط فيه المسألة فقال في ((اللقاء الشهري)): ((إن هنّأك احد فَرُدَّ عليه، ولا تبتدئ أحداً بذلك هذا هو الصواب في هذه المسألة، لو قال لك إنسان مثلاً نهنئك بهذا العام الجديد قل : هنأك الله بخير و جعله عام خير و بركة. لكن لا تبتدئ الناس أنت لأنني لا أعلم أنه جاء عن السلف أنهم كانوا يهنئون بالعام الجديد بل اعلموا أن السلف لم يتخذوا المحرم أول العام الجديد إلا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه)) وقال في ((الضياء اللامع)) (ص702): ((ليس من السنة أن نُحدث عيداً لدخول السنة الهجرية أو نعتاد التهاني ببلوغه)).انتهى
وقد نقل بعضهم في إباحة هذا الفعل كلاماً غير محرر للقمولي والسيوطي من متأخري الشافعية، و لأبي الحسن المقدسي من الحنابلة، أعرض عن ذكره خشية الإطالة.
الثاني: القول بالمنع مطلقاً، وهو الراجح، وممن قال به الشيخ صالح الفوزان حيث سئل عن التهنئة بالعام الهجري الجديد فأجاب: ((لا نعرف لهذا أصلاً، والتأريخ الهجري ليس المقصود منه هذا أن يجعل رأس السنة مناسبة وتُحيا ويصير فيها كلام وعيد و تهاني، و إنما جعل التأريخ الهجري من أجل تمييز العقود فقط، كما فعل عمر رضي الله عنه لما توسعت الخلافة في عهده، صارت تأتيه كتب غير مؤرخة، احتاج إلى أنه يضع تأريخ تعرف به الرسائل و كتابتها، استشار الصحابة،فأشاروا عليه أن يجعل الهجرة مبدأ التأريخ الهجرة، وعدلوا عن التأريخ الميلادي، مع أنه كان موجوداً في وقتهم، و أخذوا الهجرة و جعلوها مبدأ تاريخ المسلمين لأجل معرفة الوثائق و الكتابة فقط، ليس من أجل أن تتخذ مناسبة و يتكلم فيها، هذا يتدرج إلى البدع .
سؤال:
إذا قال لي شخص : كل عام و أنتم بخير، فهل هذه الكلمة مشروعة في هذه الأيام ؟
جواب:

لا، ليست بمشروعة و لا يجوز هذا أ.هـ انظر: ((الإجابات المهمة في المشاكل الملمة)) (ص229)
والناظر إلى هذه المسألة يجد أن القول بالمنع يتأيد بعدة وجوه فمن ذلك:
1- أنها تهنئة بيوم معين في السنة يعود كل عام فالتهنئة به تُلحقه بالأعياد ، وقد نُهينا أن يكون لنا عيد غير الفطر والأضحى ، فتُمنع التهنئة من هذه الجهة.


2- ومنها أن فيها تشبهاً باليهود والنصارى وقد أُمرنا بمخالفتهم، أما اليهود فيهنئون بعضهم برأس السنة العبرية والتي تبدأ بشهر تشري وهو أول الشهور عند اليهود ويحرم العمل فيه كما يحرم يوم السبت، وأما النصارى فيهنئون بعضهم البعض برأس السنة الميلادية.
3- أن فيه تشبهاً بالمجوس ومشركي العرب، أما المجوس فيهنئون بعضهم في عيد النيروز وهو أول أيام السنة عندهم ومعنى (نيروز): اليوم الجديد، وأما العرب في الجاهلية فقد كانوا يهنئون ملوكهم في اليوم الأول من محرم كما ذكر ذلك القزويني في كتابه: ((عجائب المخلوقات)). وانظر لذلك كتاب: ((الأعياد وأثرها على المسلمين)) للدكتور سليمان السحيمي.
4- ومنها أن جواز التهنئة بأول العام الهجري الجديد يفتح الباب على مصراعيه للتهنئة بأول العام الدراسي وبيوم الاستقلال وباليوم الوطني وما شابه ذلك، مما لا يقول به من أجاز التهنئة بأول العام ، بل إن جواز التهنئة بهذه أولى حيث لم يكن موجبها منعقداً في زمن الصحابة رضي الله عنهم بخلاف رأس السنة.
5- ومنها أن القول بجواز التهنئة يفضي إلى التوسع فيها فتكثر رسائل الجوال وبطاقات المعايدة -وإن سموها بطاقات تهنئة- وعلى صفحات الجرائد ووسائل الإعلام، وربما صاحب ذلك زيارات للتهنئة واحتفالات وعطل رسمية كما هو حاصل في بعض الدول، وليس لمن أجاز التهنئة وعدَّها من العادات حجة في منع هذا إذا اعتاده الناس وأصبح عندهم من العادات، فسدُّ هذا الباب أولى.
6- ومنها أن التهنئة بالعام الهجري الجديد لا معنى لها أصلاً، إذ الأصل في معنى التهنئة تجدد نعمة أو دفع نقمة، فأي نعمة حصلت بانتهاء عام هجري؟ والأولى هو الاعتبار بذهاب الأعمار ونقص الآجال، ومن العجب أن يهنئ المسلمون بعضهم بعضاً بالعام المنصرم وقد احتل العدو فيه أراضيهم وقتل إخوانهم ونهب ثرواتهم فبأي شيء يهنئون أنفسهم؟!
وعليه فالقول بالمنع أولى وأحرى، وإن بدأك أحدٌ بالتهنئة فالأولى نُصحه وتعليمه لأن رد التهنئة فيه نوع إقرار له، وقياسها على التحية قياس مع الفارق!، لكن لما كانت المسألة اجتهادية فلا ينبغي أن يشتد النكير فيها، فلا إنكار في مسائل الاجتهاد.

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم